الاثنين، 23 يونيو 2008

جوجو

كان يا مكان , في سابق العصر و الاوان رجل دميم مشوه الخلقة , بالغ القبح .. منفر الى ابعد الحدود يدعى جوجو .. ولد في مكتبة مكتظة بالكتب , نعم , فقد كانت امه تعمل في احدى مكاتب العرب القديمة , هي جاهلة , امرأة رثة تسبح في الشواطئ اليابسة لعوالم الفقر المدقع , تحرس المكتبة و تمسح الغبار عن الكتب المهملة , منذ نعومة اظافره اصيب بنهم معرفي لم يرى له مثيلا , كان يقرأ اي كتاب يقع في يده , يشفط المعلومات منه شفطا .. كان يبيع السمك نهارا و يعتكف في المساجد ليلا , كبر هذا الجوجو العبقري و اصح رجلا مفكرا , بارع في اكثر من مجال , ناقد ساخر , عالم عبقري , يعترف بعبقريته كل من قرا او سمع له.




و كان والي بلدته رجلا حكيما يحب العلم ويحرص على تثقيف ابناءه , و في ليلة من الليالي سأل وزيره ان ياتي له بعالم بارع , يجيد شتى فنون الادب و العلوم , ليكون بمثابة معلم خاص لاولاده . نظير ان يغدق عليه الرزق .. و يجعله اغنى رجال بلدته , لم يطل تفكير الوزير و سرعان ما عصف اسم جوجو على ذهنه و هوي على لسانه كالمطر , قال.."جوجو" اعظم بني جنسه و اكبرهم عقلا و اكثرهم حنكة , لم يتردد الوالي في اصدار امر باحضار المدعو جوجو الى قصر الولاية .



وفي غمضة عين كان جوجو ينتظر امام مدخل القاعة التي يقبع بها الوالي ( تماما كما يحدث في الافلام القديمة عندما يرسل احدهم في طلب شخص ما , ونجد ان الشخص المطلوب في ارساله قد اتى به المسؤولين /الحراس/البلطجية في لمحة بصر دون الدخول في تفاصيل البحث عنه ) , كان جوجو قد علم مسبقا سبب طلب الوالي له , كان شديد السعادة بالطبع , فهي بلا شك فرصة العمر التي لا تعوض ..

دلف جوجو بتؤدة الى قاعة الاستقبال الفخمة , وبما ان رأه الوالي اصيب بضيق نفس و تملكه الاعياء و نالت منه اعراض شلل موضعي !! وسرعان ما امر بصرف جوجو . و انهال على وزيره بوابل من الشتائم و التقريظ , كيف لك ان تأتي بكل هذا القبح و الدمامة الى قصري , اردت من يعلم اولادي لا من يفزعهم حتى الموت !!

خرج جوجو مجرجرا نفسه و قد تمكن اليأس من اطرافه .. فجلس بالقرب من البحيرة , يشاهد في أسى الطبيعة الجميلة ربما استطاع الهروب من قبح نفسه .. وبينما هو جالس يداعب المياة , رأى فيها انعكاس امرأة غجرية , ذات شعر طويل , كثيفة الحاجبين .. صارخة جمال المعالم .. جذبته من جلبابه .. محاولة في اغرائه لكي يتبعها , لم يملك الا ان لحقها و هي تجري ما بين الاشجار .. مدوية عدد من الضحكات الخليعة لا بأس منه , حتى وصلا عند رجل غريب الهيئة الى حد ما .. همست الغجرية : مثل هذا .. في اذن الرجل مشيرة الى جوجو .. ثم ركضت مغادرة تعلو وجهها ابتسامة النصر , و قف جوجو لا يفهم شيئا مما حدث , سأل الرجل عن هوية هذه المرأة و ماذا ارادت .. اجابه الرجل : هي غجرية . انا دقاق اصنع الخواتم باشكال حسب الطلب , منذ يومين طلبت مني هذه الغجرية ان اصنع لها خاتما على شكل شيطان , فقلت لها لن استطيع لانني لم يسبق ان رايت شيطانا او عفريتا..

ضحك جوجو .. وانصرف الى حال سبيله .. و من يومها قرر ان يهب حياته للعلم و التاليف و الاطلاع .. لقد تصالح مع نفسه و قباحته فخرجت من تحت جعبته ابدع و اجمل الاعمال العبقرية .. التي اثرت العلم و التعليم على مجال العصور.





جوجو هو أبو عثمان عمرو الملقب بالجاحظ.





انه من اول الاشخاص على قائمتي .. لطالما كنت شديدة الاعجاب به .. تخيلت هيئته , ابتسامته الساخرة التي تنم عن ذكاء حاد , معالم شخصيته , قوة حجته , دقة ملاحظته , حرية فكره , اعتماده على التجربة والعقل , مرحه وخفة روحه و تدينه.



نيف على التسعين سنة.. وقد هدّه شلل أقعده وشيخوخة صالحة، عندما كان جالسا في مكتبته يطالع بعض الكتب المحببة إليه , فوقع عليه صف من الكتب اردته ميتاً, مات الجاحظ مدفونا بالكتب , مخلفاً وراءه كتباً ومقالات وافكاراً ما زالت خالدةً حتى الان.



ولد و مات محاطا بالكتب.. تماما كيف اريد ان اموت .. مدفونة بكتبي .



زارني الجاحظ ليلة الامس في حلمي , جلسنا نتسامر .. و كان تماما مثلما تخيلته .. سألته اذا كان يقرأ كتابتي .. لم يجبني .. فقررت ان اكتب شيئا عنه كنوع من انواع المجاملة عسى يتواضع و يتكرم و يزورني مرة اخرى.

هناك 4 تعليقات:

blue-wave يقول...

كلمات رائعه ومدونه اروع
تحياتى

غير معرف يقول...

قرأت مدونتك كلها.. لا ادري كيف و لكني لم افق الا بعد ان انهيت قراءة اخر كلمة فيها.. انت موهوبة.. جدا.. مما يجعلني فخور و معجب من معجبي مدونتك.. و قريبا انا متأكد.. سوف اسمع اسمك يدوي.. ككاتبة من افضل الكتاب..

Marionette يقول...

blue wave : Thank you very much , I'm glad u liked it.

رحمة الشتاء : هل اعرفك ؟ .. لا اعلم و لكن تبدو مألوفا لي بطريقة او بأخرى .. اشكرك.

Old Blogger يقول...

أنتى قادرة وبشدة على جعلى أكمل للنهاية موضوعاً لا أدرك روعته من البداية! ..