الثلاثاء، 27 مايو 2008

احزموا امتعتكم ورحلوا..

بينما كنت افتش في دفاتري القديمة وجدت رسالة كتبتها منذ زمن سحيق , لا اتذكر سيئ عنها و لا عن الوقت الذي كتبتها فيه , و لكن بما ان قرأته انتابتني نوبة من الضحك المتواصل , هي رسالة انتحار او وصية .. شيئ من هذا القبيل .. ضحكت لانني اكتشفت قمة السخف و سخرية الحياة! فما كان يوما يقلقني و يأرقني لدرجة انني فكرت في الانتحار بسببه اصبح الان شيئا طبيعيا اتعايش معه بكل هدوء و اتقبله باحتراف

اكتشفت ان انصرام الوقت لم يساعدني على حل مشاكلي مع نفسي ولا التصالح مع الحياة , فقط امكنني من التعايش معها .. قدرتي الحيوانية على التعايش تزداد يوما بعد يوم ..

على ايه حال هذا مل نصت عليه وصيتي :

انها اولى ليالي سعادتي , هذه وصيتي التي لم اكتبها قط , لكنها تقبع في مكان ما داخل راسي تذكرتها , و اتا مستلقية على سريري امسك بسكين , بينما تخللت رائحة البرتقال الطازج تجويف انفي.. مرتدية بجاماتي التي اختلط فيها اللون الحمر مع الاسود في تناغم انيق ..انها لحظة من اللحظات القليلة التي اشعر فيها بانني جميلة. قابلت في حياتي حفنة من الاشخاص الذين يمكنني بكل ثقة تسميتهم اشقاء روحي , كنا احيانا نجلس في صمت مطبق ومع ذلك كنا دائما نجد طريقة للتواصل.. درسوا بدقة ثنايا تعابير وجهي الماكرة وتمكنوا تماما من فهمها , كانوا دائما يعرفون ان هناك خطب ما بينما خدعت براعتي في تمثيل دور السعيدة العالم كله.. هم الذين عندما سيرون وصيتي سيعرفون انني اتحدث عنهم من دون الحاجة لذكر اسمائهم.. من دونكم .. فقدت الكثير .. ربما كان الذنب ذنبي .. ولكنني نلت عقابي .. نادرا ما استطاع احد فهمي بعدكم.

اوجه حديثي الان لتعساء الحظ الذين واتتهم الفرصة لقراءة ترهاتي , تجاهلوا اي شخص اخر في حياتكم , لا يوجد من هم اكثر اهمية من "هؤلاء" , لا تخسروهم ابدا.

آمل ان تتعلموا شيئا من تجربتي التي اعلم انها في مجملها عديمة الفائدة.. اه اكره عندما اتحدث بهذه النبرة الدراماتيكية التي تبدو غاية في الابتذال ولكنني اؤكد لكم ان حالتي الذهنية الان -و خاصة الان- صافية شديدة الوضوح والمنطقية . لا اشعر بالاسى حيال تعقد موقفي , وارحب به كما لو كنتم سترحبون بأي تغير جذري في حياتكم.

من المفترض ان اكون جثة هامدة بعد انتهائي من استرجاع محتويات وصيتي المفقودة هذه , احتاج اولا ان اشرح اسباب شروعي -الا وعيي- في انهاء حياتي .. ولكي افعل هذا بطريقة مبسطة , ساكون صريحة و واقعية .. سئمت الحياة , دوافعي لاكمال اي شيئ ابدأه مهما كان بسيطا , سقيمة تحتضر مع مرور الوقت.. وكلما اقتربت اكثر و اكثر من سنة موتي المتوقعة , شعرت ببطارياتي تفرغ بينما تبقيني الادخنة المتصاعدة حية بالكاد.. اشعر وكانني انهيت دوري في مسرحية الحياة , ربما لم اتقن دوري تمام الاتقان لانني انشغلت عنه في تمثيل ادوار ثانوية , لكنني اثرت في الناس الذين قدر لي ان اؤثر فيهم , وتأثرت بالبعض. وبقائي حية لفترة اطول , سيكون غاية في الانانية لان الشخص الوحيد الذي يمكنني الان التاثير فيه والتاثر به هو انا.

لا اريد ان يتذكرني احد , اعلم انه مطلب سخيف.. و لكن طالما انه سيكون اخر مطالبي الانانية اعتقد انني سوف اطلبه على اية حال.. من المهم ان يعلم كل من يهتم -او سبق وان اهتم- لامري انه لست انا التي كانت مهمة بالنسبة اليهم , لطالما كنت قابلة للانفاق , الترك و الاستبدال.. لطالما كنت هنا كأداة لخدمة غاية معينة.. كنت الشهادة التي تثبت وجودكم , كلمة على هامش صفحة متمزقة متهالكة في كتاب الحياة. الغاية التي تكمن معانيها في فهم مغزى الحياة و الموت وانجاز كل ما ستطيع انجازه في حيز الزمن الذي كان يوما ما ملكي.. سانهي كل هذا عن طيب خاطر لان موتي سيوقف الالم و الصمت اللذان لا ينفكان عن التردد خلسة على مؤخرة راسي التي لا تتوقف عن طرح اسئلة تعجز مقدمة راسي عن الاجابة عنها.

وصيتي ان تروا العالم كما هو , هو ليس اكثر من وجود بسيط.. حاولوا قدر استطاعتكم الاستمتاع بكل شيئ , توقفوا عن التوقعات الجامحة التي دائما ما تنتهي بخيبة امل , اذا لم تعجبكم وظيفتكم , اتركوها.. اذا لم تروقكم حياتكم , احزموا امتعتكم ورحلوا..او افعلوا كل ما يمكنكم فعله للحصول على الحياة التي طالما حلمتم بها , لا ترضوا بالقليل فقط لتتمكنوا من العيش.. لتجدوا انفسكم تحتضرون ببطء على اسرتكم عندما تتقدمون في السن وقد فات الاوان , عندها ستسالون انفسكم لماذا لم تفعلوا ما اردتم دائما فعله؟

هذا طريف , لطالما اعتقدت ان خطابي الاخير للعالم سيكون اكثر حزنا و سوداوية من هذا بكثير.