الجمعة، 20 أغسطس 2010

سأحبها



كم انا قاسية على نفسي الضعيفة الصغيرة , اتمادى في تأنيبها و لومها بلا هوادة

أكره عندما أكذب , احلف بالله كثيرا في كلامي , اتحدث عن احدهم من وراء ظهره , انقطع عن الصلاة او اتوقف عن محاولاتي المستميتة لاصلاح نفسي

آذيت الكثيرين , ولكن نفسي اكثرهم تضررا , آذيت نفسي بحق , امرضتها , سرطنتها و سببت لها العقم

قد اكون مُصابة بمرض نفسي من نوع خاص , او فقط ضعيفة و كسولة بعض الشيء , قد اكون في حاجة لمساعدة عيادية مُختصة , او قد يكون الشخص الوحيد القادر على مساعدتي الان هو نفسي , و القليل او الكثير من الوقت

بدأت في المحاولة , لن اقول انها فاشلة , لان هناك تقدم , لكنه بطيئ و مُتخاذل بعض الشيء , لا اكاد اخطو خطوتين للامام . الا و تتبعهم خطوة مُتخاذلة للخلف

و لكنني لم اتكور بعد في ركن غرفتي و اتحجر من الحُزن , و اتكسر , لتكنسني امي و هي تنظف الغرفة في الصباح

ما زلت املك القدرة على الحركة , و الوقوف و تغير ملابسي و تمشيط شعري

ما زلت اشعر برغبة في الاكل و الدخول الى الحمام

ما زلت احب ان اصعد الى الحافلة , لاجد مقعدا و حيدا شاغرا , و كأنه كان منتظرا لأصعد في هذا الوقت بالتحديد فقط لأملأه

ما زلت احب عندما يُقرر احدهم ان يعاكسني , مُزة , في اليوم الذي اقرر فيه ان ارتدي ملابس فضفاضة و غير متناسقة , و وجه طبيعي بلا تزيُن , ولا مساحيق , هذه "المُزة" التي لا اطيقها و تُشعرني بالذنب عادة وانا مرتدية ملابس منطقية و وجه مُزين , اسعد جدا لسماعها و انا غير مُنمقة . و اشعر انني استحققتها 

ما زلت احب الايام التي تكون فيها الشوارع مُكتظة بالبشر و السيارات , و الموصلات معدومة , و الحركة بطيئة , و الضوضاء تدور من حولي في دوائر عشوائية تشعُبية مُركبة , كبركة ماء راكدة , تهاوت فيها طائرات اسطول حربي ضخم , نعم اكره الزحام , لكن المشهد يغمُرني بالسرور , و كأن الناس و السيارات في بلدتي , قرروا جميعا التجمع المهرجاني , و النزول و ملأ الشوارع فجأة , في نفس الوقت , فقط لتذكيري بأنني لست وحدي

و ما زلت احب عندما امر بجوار مُتسول و ينهال عليّ بوابل من الادعية , و استمر في السير مُتجاهلة وجوده , متوقعة انه بهذا سيبدأ في الدعاء عليّ و شتمي , لأجده اكمل الدعوة و سكت. بدون مقاومة اجدني اعود لأضع في يده كُل ما املك من فكة , و آخر ابتسامة لدي

احب عندما يأتي شخص يعرفني و يقول لي بثقة "عاوز اتجوزك" , مش مُعجب بيكي , و لا بحبك , لأ , "عاوز اتجوزك" , و بالرغم من انني اُصاب بالذعر و ارفض دائما , الا ان حقيقة ان هذا الشخص تخيلني في بيته , اُم لأولاده , اتفقد صينية البطاطس المُتفحمة في الفرن , قبل ان يتخيلني في صالة سينما مُظلمة , مُمسكة بيده , و جاهزة لتقبيله , امر , بلا شك , يدعو للسرور.

احب عندما افعل لأحدهم شيئا و يدعو لي "ربنا يخليكي" , اُحب هذه الدعوة كثيرا , اشعر انها الابسط و الاصدق , مش ربنا يُسترك , ولا ربنا يغنيكي , ولا يسعدك , لأ "يخليكي" , يخليكي و انت تبقي تشتغلي و تتعبي , و تتغني و تتسعدي , دعوة مُش سهلة ولا كسولة كسابقاتها و معناها اكبر من مُجرد "ربنا يعيشك"

ما زلت احب البيوت القديمة , و الاولاد الصغار عندما يتمايلون يمينا و يسارا في مشيتهم , احب رؤية بائع العرقسوس , و تحسس قطع الفاكهه و استنشاقها قبل اكلها , احب ان ارى الناس وهي واقفة امام محل العصائر تشرب عصير القصب ليلا و نهارا , أُحب ان احلُم , و ان انام و انا مُرتدية ملابس العمل , احب مشاهدة الكرتون , و الكُتب التي تستحق القراءة , و كتابة يومياتي


احب شرب المشروبات الى اخر رشفة , و اكل حصصي من الطعام الى اخر لقمة

احب ساعتي , لانها لا تحتوي على عقرب ثوانِ , و بالتالي لا اسمع صوت التكتكة المستفذ اثناء نومي , انام بها لأنني لا امتلك اي احساس بالزمن , تمر الساعات واحدة تلو الاخرى دونما اشعر بمرورها , لذلك احتاج الى ساعات اينما ذهبت , في حقيبتي ساعة , في يدي ساعة , في هاتفي ساعة


 كما انها تُنبهني كُلما مرت 60 دقيقة

احب حبات الرُمان , و أكل قشر المانجة , و دقة الكُشري , و التحدث الى اشيائي و حيواناتي الاليفة لساعات

احب اشياء كثيرة , منها عندما اتمكن من ضبط نفسي في اللحظة الاخيرة , و منعها من قول او فعل شيء , كُنت فقط لأندم عليه لاحقا , حينها اشعر ان الله اعادني بالزمن لحظة للوراء قبل ان اتسبب في كارثة كونية .. اشعر بالامتنان , كمن انقّذت حياتها , و اشكر الله طوال اليوم على منحي يوم أخر لأعيشه

ولا اتضايق -على الاقل ليس دائما- عندما اسمع الشباب يستمعون لتامر في الحافلة , ولا عندما يضغط احدهم على قدمي و تألمني كلسعه قنديل بحر , ولا عندما اكتشف ان والدتي تتفحص صندوق الرسائل الواردة و المُرسلة الى هاتفي , و لا عندما استيقظ متأخرة عن العمل ويُخصم من راتبي الضئيل, ولا عندما يراودني كابوس مُزعج و افقد السيطرة عليه و القُدرة على ايقافة , ولا عندما اذهب الى الحمام لأكتشف ان المياه مقطوعة , ولا عندما ارى مشهد رائع و اسارع في التقاطه لكي اجد انه يبدو قبيحا في كاميرا موبايلي الرديئة , ولا عندما يسخر مني احدهم , ولا عندما تُصر ناموسة في المساء على تعكير مزاجي

و ان كُنت ما زلت قادرة على حُب كل هذه الاشياء التي تبدو عديمة الفائدة من نظر البعض , و ان كُنت لم اقدر على كٌره كل هذه الاشياء التي تستحق الكُره فأنني بالتأكيد سوف اتمكن من ان احب نفسي , في يوم من الايام


نعم , سأحبها


الأحد، 8 أغسطس 2010

من فضلكم , اطلبوا الاسعاف

بعدما انتهيت من العمل البارحة , طلبت مني صديقاتي ان ارافقهن الى حفل خِطبة زميلتنا من الفرع الأخر , وافقت خاصة ان قاعة الحفل على بُعد ثلاث محطات فقط عن العمل , ذهبت الى الحمام لكي اعيد لف حجابي , وأضع بعض الزينة هُنا و هُناك , فككت الحجاب و نشرت ادوات الزينة امام المرأة , حينها شعرت انني اريد ان اعيد ادوات الزينة المُبعثرة امامي الى حقيبتي , و الذهاب الى البيت , و لكن لا اعرف مالذي دفعني الى الاستسلام و المُضي قدما في الأمر

اوقفنا تاكسي , ظللت التقط صورنا عشوائيا , و قبل ان نترجل التاكسي شبت "عركة" لم احاول التدخل فيها , بينهن و بين السائق حول الأجرة

وصلنا القاعة , تماما لحظة وصول العروسين , انتظرنا حتى دخلا القاعة , ثم جلسنا , ضحكنا , تبادلنا النميمة عن الفُستان و المكياج و العريس , ذهبنا لنسلم على زميلتنا , و قفنا قليلا , صفقنا كثيرا , ثم عُدنا الى الطاولة

قُلت لصديقتي سارة " بجد نفسي احضر خطوبتك , عقبالك " , و عندما تأكدت انني اعني تماما ما قُلت , ضممتها الىّ , وربت على ظهرها , و اضعت دمعة في ثنايا خيوط ثيابها دون ان تشعر

كُنت سعيدة , و مُفعمة بالأمل و الطمأنينة , كُل شيء على ما يرام , نعم , كُل شيء على ما يُرام

لم نبقى طويلا , ارادتا توصيلي الى مكان الركوب لانني غبية بعض الشئ فيما يتعلق بالطُرق و الاماكن , و لكنني اكدت لهما انني سأركب الترام , و أعد المحطات جيدا , واحد , اثنان ثم انزل في الثالثة , اقتنعتا , و صرخ الكُمسري "يلا , يلا" , فهرولنا , وصعدت , وذهبتا في طريقهما

و اضعت نفسي

سرحت و نزلت في المحطة الرابعة تقريبا , سألت امرأة كانت تمشي مع ابنتها من اين اجد باصات ذاهبة الى العجمي من هُنا ؟ قالت لي امشي الشارع حتى آخره , كُل الباصات المُتجهه الى العجمي تمر من هناك

كان الشارع خاليا الا من بعض المُشاه , و النور كان خافتا بعض الشيء , رأيت من بعيد كُشك حارس امن يحرس احدى البنوك , فذهبت اليه و سألته مُجددا , قال لي انه منقول جديد من المنوفية , و لكنه يرى الباصات المُتجهة الى العجمي تمر من هنا كل يوم , استأذنته في الوقوف بجواره , لان الوقت مُتأخر بعض الشيء , و الشارع شبه خالي ويُصيبُني بالرهبة

تجاذبنا اطراف الحديث , عن الطقس و الرطوبة و اللصوص الذين يخطفون حقائب الفتيات , ثم اراني صور بناته وزوجته , وظل يوصفهن لي و يُخبرني عن مدى اشتياقه اليهن , انتظرت لمدة 20 دقيقة تقريبا , و عندما بدا على القلق و وجدني انظر في ساعتي , اقترح ان امشي الى اخر الشارع حيث موقف الباصات , و حتما سأجد في الطريق باص قادم من الموقف.

ظللت امشي وحدي في طريق مُظلم بعض الشيء و خالي تماما , تحُفه الاشجار من الجانبين , احب الطرق المُظلمة المحفوفة بالأشجار جدا , و قفت اتأمل الشارع للحظات , ثم استأنفت السير و رأسي شاخصة الى اعلى انظر الى السماء , و اتحدث مع الله

" انا عارفة اني ضعيفة , بس انت خالقني بني آدمة , و البشر ضُعاف بطبعهم , بس و الله بحاول يارب , قصدي بحاول و الله , ايه ده! مُش المفروض احلف بيك و انا بكلمك و استخدم والله و يا رب في نفس الجُملة , انا اسفة , مُش بهرج بجد , المُهم , انا بحبك و عاوزة اشكُرك على كُل اللي بتعملو معايا و كل الفُرص اللي بتدهالي , بس سامحني على ضعفي ده , عشان انا بني آدمة "

و اذا به الباص قادم من بعيد , و قفت في انتظاره حتى يقترب , هدأ من سرعته , ما من احد غيري في الشارع , كُنت على مسافة بضع كيلومترات من الباص , عندما بدء رجل في النزول , انا مُسرعة في اتجاه الباص , و الباص قادم في اتجاهي . و الرجل يحاول النزول , و فجأة , تعثر الرجل و هو ينزل , اخر ما رأيته كان الباص وهو يسحب الرجل تحت عجلته , و أخر ما سمعته كان صوت عظام تتفتت في أذني كالزجاج .

ثُم ساد صمت غليظ , لم يكسره سوى صوت بكائي , كُنت انا الوحيدة التي رأت ما حدث

وضعت يدي على وجهي , جسدي في حالة رعشة كُلية , نفسي متقطع , و بكائي حاد.

نزل السائق مُسرعا , يجري في حركات دائرية حول الباص , لا يقوى حتى على النظر الى الرجل , سار مُبتعدا عن الباص , وظل يبكي في حُرقة دونما ان ينظر

مما رأيته بدى لي ان الرجل مات بلا شك , و اعتقد ان هذا ما ظنه السائق ايضا

نزل الركاب من الباص , و حاولوا سحب الرجل , و اذا به حي يرزق

رجل في الستين من عُمره تقريبا , متوسط الطول و البنية , اسمر 

لم اكد اصدق انه مازال حيا , اجلسوه على الارض , كان سليما , فقط تحولت ساقه اليُمنى الى كُتلة من العجين , امامها استقرت قدمه بالحذاء , منفصلة تماما عن الساق.

الرجل كان ثابتا , لم يصرخ , لم يتحرك

بينما جزع كُل من حوله , منهم من كان يجري من الخوف , من امسك التليفون ليطلب الاسعاف , من مضى في طريقه بحثا عن باص آخر , من اسرع لابلاغ الشُرطة

و الرجل ثابت لا يتحرك

سأله احدهم هل تؤلمك؟ هل تشعر بألم ؟ رد الرجل بكل هدوء " لن يُمكنك ان تتخيل شدة الالم , بس ربنا مصبرني , لو سمحت اطلبوا الاسعاف " هذا كُل ما قاله.

ظل هناك ساكنا لمدة نصف ساعة تقريبا , لولا الناس الواقفة حوله , لحلق طائرا هبوطا على رأسه من شدة ثباته

و قفت امامه انظر الى بركة الدم من حوله , نظرت مُباشرة في عينه و نظر لي

ثم اتت الاسعاف , نقلوه الى المُستشفى , وذهبت الى البيت

و كأن الله , دفعني للذهاب الى الحفلة , ثم اضاعة الطريق , ثم التحدث الى شرطي الامن , ثم المشي الى محطة الباصات , لأرى ما رأيت , , فقط ليثبت لي , انا وحدي , ان كوني بشر , لا يمنعني ابدا من اكون قوية ... وحده يستطيع ان يُمدني بقوة خرافية , طالما استحققتها.

اليوم لم استحقها , لضعف ايماني , و لعدم ثقتي المُخلصة في خالقي , و لتشككي في القوة التي منحني اياها , بينما استحقها ذلك الرجل بجدارة.

في يوم ما , رُبما , اثبت لله انني استحقها , فيُمدني بها , لا اريد منها ما يُمكنني من تحمل الم بتر عضو من اعضائي , فقط ما يُمكنني من الصمود لليوم التالي.

الأحد، 1 أغسطس 2010

The dog days are over