الأحد، 8 أغسطس 2010

من فضلكم , اطلبوا الاسعاف

بعدما انتهيت من العمل البارحة , طلبت مني صديقاتي ان ارافقهن الى حفل خِطبة زميلتنا من الفرع الأخر , وافقت خاصة ان قاعة الحفل على بُعد ثلاث محطات فقط عن العمل , ذهبت الى الحمام لكي اعيد لف حجابي , وأضع بعض الزينة هُنا و هُناك , فككت الحجاب و نشرت ادوات الزينة امام المرأة , حينها شعرت انني اريد ان اعيد ادوات الزينة المُبعثرة امامي الى حقيبتي , و الذهاب الى البيت , و لكن لا اعرف مالذي دفعني الى الاستسلام و المُضي قدما في الأمر

اوقفنا تاكسي , ظللت التقط صورنا عشوائيا , و قبل ان نترجل التاكسي شبت "عركة" لم احاول التدخل فيها , بينهن و بين السائق حول الأجرة

وصلنا القاعة , تماما لحظة وصول العروسين , انتظرنا حتى دخلا القاعة , ثم جلسنا , ضحكنا , تبادلنا النميمة عن الفُستان و المكياج و العريس , ذهبنا لنسلم على زميلتنا , و قفنا قليلا , صفقنا كثيرا , ثم عُدنا الى الطاولة

قُلت لصديقتي سارة " بجد نفسي احضر خطوبتك , عقبالك " , و عندما تأكدت انني اعني تماما ما قُلت , ضممتها الىّ , وربت على ظهرها , و اضعت دمعة في ثنايا خيوط ثيابها دون ان تشعر

كُنت سعيدة , و مُفعمة بالأمل و الطمأنينة , كُل شيء على ما يرام , نعم , كُل شيء على ما يُرام

لم نبقى طويلا , ارادتا توصيلي الى مكان الركوب لانني غبية بعض الشئ فيما يتعلق بالطُرق و الاماكن , و لكنني اكدت لهما انني سأركب الترام , و أعد المحطات جيدا , واحد , اثنان ثم انزل في الثالثة , اقتنعتا , و صرخ الكُمسري "يلا , يلا" , فهرولنا , وصعدت , وذهبتا في طريقهما

و اضعت نفسي

سرحت و نزلت في المحطة الرابعة تقريبا , سألت امرأة كانت تمشي مع ابنتها من اين اجد باصات ذاهبة الى العجمي من هُنا ؟ قالت لي امشي الشارع حتى آخره , كُل الباصات المُتجهه الى العجمي تمر من هناك

كان الشارع خاليا الا من بعض المُشاه , و النور كان خافتا بعض الشيء , رأيت من بعيد كُشك حارس امن يحرس احدى البنوك , فذهبت اليه و سألته مُجددا , قال لي انه منقول جديد من المنوفية , و لكنه يرى الباصات المُتجهة الى العجمي تمر من هنا كل يوم , استأذنته في الوقوف بجواره , لان الوقت مُتأخر بعض الشيء , و الشارع شبه خالي ويُصيبُني بالرهبة

تجاذبنا اطراف الحديث , عن الطقس و الرطوبة و اللصوص الذين يخطفون حقائب الفتيات , ثم اراني صور بناته وزوجته , وظل يوصفهن لي و يُخبرني عن مدى اشتياقه اليهن , انتظرت لمدة 20 دقيقة تقريبا , و عندما بدا على القلق و وجدني انظر في ساعتي , اقترح ان امشي الى اخر الشارع حيث موقف الباصات , و حتما سأجد في الطريق باص قادم من الموقف.

ظللت امشي وحدي في طريق مُظلم بعض الشيء و خالي تماما , تحُفه الاشجار من الجانبين , احب الطرق المُظلمة المحفوفة بالأشجار جدا , و قفت اتأمل الشارع للحظات , ثم استأنفت السير و رأسي شاخصة الى اعلى انظر الى السماء , و اتحدث مع الله

" انا عارفة اني ضعيفة , بس انت خالقني بني آدمة , و البشر ضُعاف بطبعهم , بس و الله بحاول يارب , قصدي بحاول و الله , ايه ده! مُش المفروض احلف بيك و انا بكلمك و استخدم والله و يا رب في نفس الجُملة , انا اسفة , مُش بهرج بجد , المُهم , انا بحبك و عاوزة اشكُرك على كُل اللي بتعملو معايا و كل الفُرص اللي بتدهالي , بس سامحني على ضعفي ده , عشان انا بني آدمة "

و اذا به الباص قادم من بعيد , و قفت في انتظاره حتى يقترب , هدأ من سرعته , ما من احد غيري في الشارع , كُنت على مسافة بضع كيلومترات من الباص , عندما بدء رجل في النزول , انا مُسرعة في اتجاه الباص , و الباص قادم في اتجاهي . و الرجل يحاول النزول , و فجأة , تعثر الرجل و هو ينزل , اخر ما رأيته كان الباص وهو يسحب الرجل تحت عجلته , و أخر ما سمعته كان صوت عظام تتفتت في أذني كالزجاج .

ثُم ساد صمت غليظ , لم يكسره سوى صوت بكائي , كُنت انا الوحيدة التي رأت ما حدث

وضعت يدي على وجهي , جسدي في حالة رعشة كُلية , نفسي متقطع , و بكائي حاد.

نزل السائق مُسرعا , يجري في حركات دائرية حول الباص , لا يقوى حتى على النظر الى الرجل , سار مُبتعدا عن الباص , وظل يبكي في حُرقة دونما ان ينظر

مما رأيته بدى لي ان الرجل مات بلا شك , و اعتقد ان هذا ما ظنه السائق ايضا

نزل الركاب من الباص , و حاولوا سحب الرجل , و اذا به حي يرزق

رجل في الستين من عُمره تقريبا , متوسط الطول و البنية , اسمر 

لم اكد اصدق انه مازال حيا , اجلسوه على الارض , كان سليما , فقط تحولت ساقه اليُمنى الى كُتلة من العجين , امامها استقرت قدمه بالحذاء , منفصلة تماما عن الساق.

الرجل كان ثابتا , لم يصرخ , لم يتحرك

بينما جزع كُل من حوله , منهم من كان يجري من الخوف , من امسك التليفون ليطلب الاسعاف , من مضى في طريقه بحثا عن باص آخر , من اسرع لابلاغ الشُرطة

و الرجل ثابت لا يتحرك

سأله احدهم هل تؤلمك؟ هل تشعر بألم ؟ رد الرجل بكل هدوء " لن يُمكنك ان تتخيل شدة الالم , بس ربنا مصبرني , لو سمحت اطلبوا الاسعاف " هذا كُل ما قاله.

ظل هناك ساكنا لمدة نصف ساعة تقريبا , لولا الناس الواقفة حوله , لحلق طائرا هبوطا على رأسه من شدة ثباته

و قفت امامه انظر الى بركة الدم من حوله , نظرت مُباشرة في عينه و نظر لي

ثم اتت الاسعاف , نقلوه الى المُستشفى , وذهبت الى البيت

و كأن الله , دفعني للذهاب الى الحفلة , ثم اضاعة الطريق , ثم التحدث الى شرطي الامن , ثم المشي الى محطة الباصات , لأرى ما رأيت , , فقط ليثبت لي , انا وحدي , ان كوني بشر , لا يمنعني ابدا من اكون قوية ... وحده يستطيع ان يُمدني بقوة خرافية , طالما استحققتها.

اليوم لم استحقها , لضعف ايماني , و لعدم ثقتي المُخلصة في خالقي , و لتشككي في القوة التي منحني اياها , بينما استحقها ذلك الرجل بجدارة.

في يوم ما , رُبما , اثبت لله انني استحقها , فيُمدني بها , لا اريد منها ما يُمكنني من تحمل الم بتر عضو من اعضائي , فقط ما يُمكنني من الصمود لليوم التالي.

هناك 7 تعليقات:

Old Blogger يقول...

مش عارفه اقول ايه
انا أول مرة اجى هنا

بجد البوست الرائع
مش متخيلة ان الحادثه دى حصلت قدامك فعلاً
الله المستعان !

تأملك رائع رائع رائع
أكيد هاجى هنا تانى
إن شاء الله

youssef يقول...

مبطلتش قراية ثانية واحدة بعد اول سطور

بس

(:

Tamer Moghazy يقول...

Mrionette..
مرة عملت حادثة..
وكانت حادثة موت..
بس الحمد لله..
ربنا نجانيمنها..
ولفِت الايام..
واتعالجت..
وبقيت زي الاول..
واحسن..
لو بترجع الايام من تاني..
ها امشي في نفس الطريق..واختار نفس اللي حصل لي من تاني..
اصل هو ده (القدر) واللي لازم يكون له سبب منطقي نفسرة بيه..
واللي لو حتى (اتغير) السبب فا النتيجة واحدة بالضبط زي فيلم:
Final destination

عجبني قوي طريقة سردك للحكاية وكاني ماشي الطريق معاك..!!
وكمان سامع صوت نفسك..!!
وعجبني طريقك تأملك في الاحداث والاسباب.
لسه ها اكمل جولتي في مدونتك الجميلة :)

Tamer Moghazy يقول...

سؤال مهم بيلح عليا..
انت ليه مش عندك ناس بتزوك ..؟؟
انا شايف المدونة من اجمل المدونات اللي دخلتها ومع ذلك مش باشوف ناس بتتواصل..؟
هل انت بتجيلك التعليقات ومش بنتشريها..؟؟
ولا انت مش بتتواصلي مع حد..؟؟
ولا ايه..؟؟
انا تصفحت بوستات كتيير ليك النهاردة ولاحظت تكرار الحكاية الغريبة دي..!!
ياريت اعرف تفسير لها..!!

Marionette يقول...

ابتسام : شكرا يا ابتسام , مبسوطة انو عجبك , و طبعا كان صعب جدا اني اشوف حاجة زي دي قدامي و يبقى عندي الشجاعة اني اكتب عنها.



يوسف : شكرا , بس :)



Timo : انا كمان مؤمنة جدا ان كل حاجة بتحصل في حياتنا لسبب , و مهما كانت صعبة في ساعتها , ديما بنبقة ممتنين انها احصلت بعدين , لانها بتكون غيرت فينا حاجة

و فعلا مافيش حد كتير بيزور المدونة بتاعتي ولا بيعلق , ده لأني مش بروح اشوف مدونات الناس التانية و اعلق فيها , فصعب جدا حد ياخد بالو من مدونتي , الا بالصدفة البحتة.

غير معرف يقول...

حلوة قووووى بجد

احساسك جميل وطريقة حكيك ممتعة

Marionette يقول...

شكرا :)