الثلاثاء، 10 يوليو 2012

أحتضنوا العالم قبل ان يفقد اضلاعه الأخيرة.

الأربعاء، 4 يوليو 2012

في الطريق


الموت بالنسبة لي شاب هرم, يرتدي عباءة شديدة السواد, يحتضن بها ضحاياه دون مقاومة منهم و يأخذهم الى هناك.

يُلاحقني منذ فترة, و قبل ان يحتضنني في عباءته, يفلتني و يذهب تاركا في نفسي ذلك الإحساس بخيبة الأمل الذي يعكر صفو فرحتي العارمة بالنجاة.

ذهبت مع زوجي الى شاليه احد اصدقائه في العجمي, تناولنا الغداء ثم اتجهنا الى الشاطئ لنجلس قليلا, انا غير مُتيمة بنزول الماء, و لكن شيئاً ما دفعني للوقوف فجأة و التوجه مباشرة الى البحر, تبعني زوجي و سألني اذا كنت اود النزول و أومأت بالايجاب.

خلع قميصه و رماه تجاه صديقه, و أخذني من يدي. كنا على مقربة من الشاطىء لأني لا استطيع السباحة. قضينا بعض الوقت في الحديث و الضحك و فجأة شعرنا ان البحر يجرفنا سحبا الى الداخل. و فجأة اكتشفنا اننا نغرق.

حاول ان يجذبني و يخرجنا و لكن قوة السحب كانت اقوى من محاولته المستميتة للخروج. هو لم يتوقف عن المحاولة, و انا علمت يقينا ان تلك نهايتي و اصبت بحالة من الهلع ساهمت بدورها في تعقيد الموقف أكثر و أكثر. و فجأة و بعد مرور حوالي عشر دقائق توقف السحب و استطعنا الخروج على اقدامنا كأن شيئا لم يحدث. تجمهر الناس و اعتقدنا انهم تجمعوا من أجلنا و لكن يبدو ان هناك اثنان اخران يغرقان في الداخل.

خرجنا نشاهد من بعيد ما كان سيحدث لنا لو ان الأمور ازدادت سوءا, الأم تصرخ و الأب يدور في دوائر حول نفسه, و نحن نشاهد في ذهول, فتاة و فتى في العشرين من عمرهم يغرقون بكل بساطة و لم يعثروا لهم على اي اثر.

اكتشفنا بعدها ان حفل زفافهم كان من المفترض ان يتم في خلال اسبوع من تاريخ غرقهم.

الموت كان في الجوار, و بالرغم اننا لم نكن المقصودين من زيارته الكريمة, الا انه قرر ان يُلقي التحية و يصافحنا في طريقه لقنص ارواح العروسين, ليريني كم هو قريب, و كيف ان محاولتي للهروب منه بلا جدوى.

الغريب في الأمر هو انه على الرغم من ان الموت هو اكبر مخاوفي في الحياة, الا ان هناك ثمة شعور غير مبرر بخيبة الأمل يلتصق بي بعد النجاة من كل تجربة موت وشيكة اقاتل فيها من اجل حياتي الى آخر نفس. كأني, في مكان شديد العُمق في نفسي, اريده ان يخبأني في عباءته و يذهب بي بعيدا.

الموت لا يحمل لي الضغائن ولكنه يراقبني, ورغم خوفي منه اسير اليه غير مُخيرة بقوة دفع ماسوشية لا يمكنني التحكم بها, أعدو هاربة منه, و في كل خطوة أقترب منه أكثر. اعلم ان الموت ليس عدوي, أعلم انني و الموت ضحايا سُنة الحياة, ومع ذلك اخافه.

اخافه لأنه يعرفني. يعرف اسمي و لون عيوني الحقيقي وعنوان سكني و على اي جنب افضل النوم ليلا. أخافه لأنه يستطيع السطو على احلامي و احالتها الى كوابيس, اخافه لأنه لا يطرق الأبواب,ولا يقرع الأجراس و لا ينتظر أحد.

اخافه لأننا أهديناه امهاتنا, و رجالنا و أطفالنا و أحب الناس الى قلوبنا و مع ذلك يبخل بطرق الباب ليلا على اب ليترك له فرصة توديع صغيرته و شرح لماذا لن يستطيع التواجد في حفل زفافها عندما تكبُر, و تقبيل جبين زوجته و اخبارها عن مكان شاحن الكاميرا الذي خبأه كي لا يعبث به الصغار.



لو دق الموت بابنا سنفتح له , فنحن لسنا بمن يرد ضيوفه ابدا.